بعد تخرجي من الثانوية قررت أخيراً السفر للخارج وتحديداً لليابان لأدرس التخصص الذي لطالما حلمت به الأنمي والمانجا، حسناً هذا التخصص ليس بالأمر الذي قد يجعل والداي فخوران، لكنني قررت المضي بهذا الحلم الذي أتمناه، بالطبع واجهت الكثير من الصعوبات في رحلتي إلى اليابان بداية من المطار هنا وحتى وصولي لدبي ومن ثم ذهابي لليابان، خصوصاً وأنا أسافر وحدي لأول مرة، كانت معي مجموعة من الطلاب يشاركونني هذه الرحلة، لكنني وكالعادة لم أجد من يروقني من بينهم ففضلت البقاء وحدي.
حين وصلنا لليابان كان علينا إيجاد مرافق للمجموعة ليأخذنا لمكان سكننا، فندق أو سكن طلاب لا أعرف حقاً فلم يزودونا بأي معلومات قبل مجيئنا، لم يعرف أي من زملائي قواعد اليابانية للتواصل مع أي احد فتبرعت لأتحدث عنهم بيابانيتي غير المصقولة والتي تحتوي على الكثير من الكلمات غير الرسمية لأنقذ الوضع، سألت موظفة المطار عن شخص يتحدث الانجليزية وقد ساعدتني في الوصول إلى مكتب الترجمة حيث طلبت مرافقا يجيد الانجليزية واليابانية والقليل من العربية لأجل زملائي اللذين لا يجيدون أي لغة غير لغتنا، بعدها أخذنا المترجم للشخص الذي كان يتوجب عليه استقبالنا ،كانت معلومات اتصاله مدونة في الأوراق التي أعطاها لنا منظم الرحلة لكن أحداً لم يستطع قراءتها فهي يابانية!
رافقنا المترجم والمرافق للسكن وعرفنا بكل المرافق وأعطانا خرائط للأماكن الضرورية القريبة مثل المتجر والصيدلية والمشفى والكثير من الاماكن التي قد نحتاج إليها خلال فترة سكننا هنا، بعد ذلك عدت الى غرفة المشتركة مع الفتاة التي بدت لي أنها صينية، لم يكن بوسعنا الحديث فكلانا قد كان منهكاً من الرحلة الطويلة التي قطعناها إلى هنا، بعد نوم طويل استيقظنا وتعرفنا على بعضنا وقد كانت لحسن الحظ ماليزية الأصل ومسلمة، إنجليزيتها ممتازة للغاية لذلك استطعنا التحدث معاً بشكل جيد.
بعد برهة خرجنا للذهاب للصفوف الدراسية، هي هنا لتدرس مجال الدبلجة الصوتية في حين كنت أنا هنا للرسم، حين دخلت للصف كان الجميع متحمساً ويتحدث بانفعال عن دراسته السابقة وعن أهدافه المستقبلية، ذلك رائع حقاً!
حاولت إيجاد مقعد فارغ بين الزحام وجلست بين مقعدين تركت عليهما حقائب ودفاتر لكن أحداً لم يكن جالساً، بعدها بلحظات انفض الجمع الذي كان محتشداً في الامام وعاد الطلاب لمقاعدهم. ولسوء حظي كان المكان الذي جلست به محصوراً بين شابين، بدا ذلك محرجاً ولم أستطع الجلوس براحة لأن اي حركة قد تجعل كوعي يلامس ذراع اي منهما. دخل الاستاذ وطلب منا التعريف بأنفسنا وعرض بعض الرسومات التي رسمناها، حين وصل الدور للشخص عن يميني وقف ليعرف بنفسه وقال إنه ياباني لكن والدته اللبنانية الأصل سجلته في هذه المدرسة لأن له عرقاً مختلطاً بالرغم من انه يمتلك الجنسية اليابانية، عرض رسومات تشابه رسوماتي للحد الذي جعلني أظنها رسوماتي، حين أنتهى الشخص الذي لم أكلف نفسي عناء تذكر اسمه وحان دوري.
وقفت بتوتر وعرفت بنفسي كالفتاة الوحيدة السعودية في هذا الصف الواسع، وعرضت رسوماتي ليتفاجأ الجميع من الشبه بين رسمي ورسم الشخص بجانبي، وحين جلست سألني اللبناني الياباني عن حسابي في مواقع التواصل وحين أريته حسابي في الإنستغرام فأبتسم ابتسامة عريضة وقال إنه يتابع حسابي بحسابه الاخر الذي يتحدث فيه بالعربية، وأخبرني أنه كتب لي مرة أنني سبب إلهامه، حسناً لم اصدق في البداية فقد كان كل ظني ان من قال تلك الكلمات فتاة اعرفها كانت معي في المدرسة. أبدى هذا الشخص إعجابه الشديد برسوماتي وأخبرني عن مدى تأثره بي وأنه سعيد للغاية لأنه حصل على شرف لقائي، لم أجد كلمات مناسبة للرد عليه ... غير قول شكراً والابتسام كرد على كلماته، انتهى اللقاء التعريفي بالجميع وأخبرنا الأستاذ أنه سيقسمنا للعمل كثنائيات حسب نوع الرسم وكان الحظ حليفاً للرسام اللبناني الياباني، وأصبحت ثنائياً معه للرسم والتحبير وكل شيء، في البداية رسم هو المخطط الرئيسي للفكرة وحبرتها انا وبعدها تبادلنا الأدوار.
كان ينظر الي وانا اقوم بعملي باهتمام شديد وقد اشعرني ذلك بالتوتر، اضطرني ذلك لإخباره أن نظراته تشعرني بالارتباك وأن عليه أداء عمله بدلاً عن النظر إلي، حين أنهينا الصفحتان المطلوبتان منا قدمناها للأستاذ فبدأ ينتقد اساساتي غير المضبوطة، كما أنتقد تحبير شريكي مطلقاً عليه تحبير الخط الواحد، حين أنتهى من نقده أعطى بعض النصائح الجيدة لتفادي الأخطاء وطلب منا أن نتبع نظاماً واحداً يرسم فيه شريكي وأحبر فيه أنا لنكمل عملنا بشكل مثالي، بعد ان انتهى الاستاذ من تقييمه لكل الطلاب أخبرنا أن نعد قصة وشخصيات للقصة التي سنرسمها طوال الكورس، وقد اخبرنا بوضوح أن نعمل معاً لكتابة قصة جيدة.
بعد حضورنا لهذا الصف ذهبت لصف آخر حيث كان معي شابان وفتاة من أصل سعودي، فما كان لهم إلا أن يقتربوا مني أكثر فإجادتي الإنجليزية واليابانية جعلتهم بحاجة لي، على كل كان هذا صف دراسة تأليف القصص وحبكتها، بعد أن انتهى الصف جاء فتى أجنبي وقال أنه لاحظ تفاعلي مع الأستاذ ويريد رقمي ليتواصل معي بشأن بعض الأمور التي لم يفهمها، ترددت في اعطاءه رقمي فأنا لا أعرفه مطلقاً وابتسامته الغريبة تلك أشعرتني بالتوتر فأخبرته أنني أفضل التواصل عبر البريد الإلكتروني، سمعتهم يتهامسون بشأن تحفظي الزائد وأنا أغادر الصف لكن ذلك لم يهمني حقاً، هذا كان آخر صف يجب أن أحضره اليوم لذلك ذهبت الكافيتريا لأتناول طعام الغداء.
لم يكن هناك الكثير مما أستطيع أكله فأغلب الأصناف تحتوي سمكاً ولحوم لا أضمن كونها حلالاً ،فأخذت وعاء سلطة وأرز أبيضاً بصلصة الفاصولياء وجلست بجانب النافذة على الطاولة الوحيدة الفارغة ولبست سماعاتي وشغلت موسيقى هادئة لأسترخي بعد اليوم المتعب الذي مررت به، تناولت السلطة بهدوء وأنا أراقب المنظر عبر النافذة الزجاجية التي تسيل عليها بعض قطرات المطر التي لم تجف بعد، فجأة شعرت بأحد يقف امامي فرفعت رأسي لأجد شريكي الذي لا أعرف اسمه يبتسم وهو يضع طبقه أمام الكرسي المقابل ويطلب مني الجلوس، اخبرته ان لا بأس بذلك فجلس وسألني عن المحاضرة التي اخذتها وعما اذا كان زملائي ودودين، تحدثت معه عن زملائي وأخبرته أنني لا ارتاح للتعامل معهم وأخبرته عما حدث حين طلب مني رقم هاتفي.
صمتنا للحظات ثم قال إنه أراد طلب رقم هاتفي لكنه لم يجد الفرصة وبسماعي أخبره بأن ذلك لا يشعرني بالراحة غير رأيه فقلت بجدية أنني لا أشعر بالقلق حين أتعامل معه فذلك الفتى بدا مريباً ولم يعرف باسمه حتى وأتبعت ذلك بقولي إن التعامل بالإيميل أكثر رسمية، بعدها تناولنا الطعام بصمت.
نظرت لطبقه فوجدت قطع سمك وأرز أبيض مع وعاء كبير من الرامين، لاحظ أنني أراقب طعامه فقال إن سمك السالمون الذي يقدمونه جيد للغاية، بدا لي أنه يخبرني ان هذا حلال لكنني استبعدت ذلك حين رأيته يأكل الرامين الذي لا أعرف محتوياته، وضعت كفي تحت خدي وأنا أتناول الطعام بملل فطعمه لم يكن جيداً لكن علي أكل شيء حتى لا أجوع للغد، سألني وهو ينظر لطبقي عن سبب امتناعي عن أخذ طبق رئيسي لإشباعي فأجبت بأنني لا آكل اللحوم ولا أفضل الأطعمة البحرية وأغلب الأصناف الرئيسية معدة منها. وضع عيدانه فوق الوعاء وأعتذر عن تناوله طعام برائحة لا أحبها أمامي، فأخبرته أن المكان كله مشبع بروائح أكثر إزعاجاً من رائحة السمك، ابتسم وكأنه عرف رائحة أعني لكنه لم يقل شيئاً وتابع تناول طعامه.
حين انتهينا أصر على مرافقتي للسكن وأصررت أنا الأخرى أن لا حاجة لذلك وأنني لا أفضل التعامل مع زملاء الدراسة خارج الجامعة، فقال إنه يرافقني لأنه يريد أن نكون صديقين، توقفت عند سماعي تلك الكلمة وقلت وأنا لا أنظر لوجهه أنني لا أفضل علاقة صداقة بين فتاة وشاب، لذلك سكت ولم يقل شيئاً وتابع المسير معي حين فعلت حتى وصلنا للمبنى وقال بأدب أنه يتفهم ما قلته لكنه غير آمن لفتاة السير وحدها وقت المغيب، شكرته واعتذرت عن اسلوبي الذي بدا وقحاً قليلاً، فقال وهو يلوح بيده أنه يتفهم ذلك ثم غادر.
دخلت للسكن وعدت للغرفة لأجد زميلتي ميلي جالسة أمام المكتب تقلب صفحات كتاب باهتمام، سلمت عليها وبدلت ملابسي وأخذت حماماً دافئ وذهبت للسرير، لعبت بالهاتف قليلاً وحادثت عائلتي وصديقاتي، سألتني ميلي عن يومي فأخبرتها أنه لم يكن سيئاً لكن جسدي مازال متعباً من السفر، أخبرتني أنها أبلت بلاءً حسناً في تجربتها الأولى في الدبلجة واعطتني هاتفها لتريني المشهد الذي دبلجته وكان رائعاً حقاً، امتدحتها وقلت أنني لو صنعت مسلسل أنمي في المستقبل سأطلب منها أداء صوت البطلة، تعجبني رفقة هذه الفتاة مع أنها من بلاد أخرى.
Comments (2)
See all